مدريد.. كنوز الثقافة ومتعة الترفيه
مع نسيج غني من التاريخ والكنوز الثقافية وأماكن الجذب العديدة، احتلت العاصمة الإسبانية مدريد على الدوام المقدمة في قائمة الوجهات للمسافرين في أوروبا. تعج جاداتها وساحاتها الكبرى بالسكان والزائرين على حد سواء. وبإمكان الزائر أن ينطلق في استكشاف المدينة من ساحة “بلازا مايو” الشهيرة، وهي ساحة رائعة كانت شاهداً على ماضي المدينة الغني، والتجول عبر مداخلها المقوسة وتأمل الجمال المعماري للساحة وتخيل الأحداث الكبيرة التي وقعت فيها على مر القرون. ومن الساحة، لا بد من زيارة متحف “برادو” الذي يضم مجموعة مذهلة من الأعمال الفنية لأبرز الفنانين مثل غويا وفيلازكيز وإل غريكو وبيكاسو ويعتبر من أهم المتاحف في أوروبا بل والعالم. يقع المتحف في بناء كلاسيكي من القرن الثامن عشر الميلادي، وتم بناؤه في عهد المللك تشارل الثالث كأحد أبرز الفنون المعمارية التي تضفي علي مدريد الطابع الحضاري المتميز. ويضم نحو 5000 عمل فني، الأمر الذي يكشف مدى ضخامة هذا المتحف.
تم بناء متحف “رينا صوفيا” كمكمل معاصر لمتحف “برادو” وافتتح رسمياً عام 1992 بأمر الملكة صوفيا والدة العاهل الإسباني الحالي،ويضم تشكيلة واسعة من الأعمال الفنية لأشهر الفنانين الإسبان. وهناك أيضاً متحف اسبانيا الوطني للآثار الذي يعرض المقتنيات الأثرية الثمينة التي تُصوّر تاريخ إسبانيا على مر العصور.
كذلك، متحف مدريد للسكك الحديدية الذي يتعرف الزائرون من خلال مقتنياته على مراحل تطوّر وسائل النقل في البلاد. ولا يمكن نسيان زيارة المتحف الوطني للعلوم الطبيعية الذي تحمل زيارته كلاً من المتعة والفائدة والتشويق بمعروضاته المثيرة للاهتمام مثل الهياكل العظمية للحيوانات المنقرضة.
ويقع في وسط المدينة أيضاً متحف الشمع الذي يعرض تماثيل تم صُنعها من مادة الشمع لشخصيات مشهورة في مختلف الميادين مثل اللاعب البرتغالي رونالدو. ولمن يود استرجاع ذكريات طفولته، بإمكانه زيارة متحف “كاسيتا دي راتون بيريز” الذي يعرض كل ما يتعلق بعالم الألعاب حيث يضُم مجموعة من الألعاب والدُمى القديمة. وفي عالم الألعاب كذلك، تقع على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من مدريد ملاهي “وارنر
بروذرس”، التابعة لشركة الإنتاج السينمائي الأميركية المعروفة، وتعد واحدة من أمتع مدن الألعاب وأحد معالم السياحة في إسبانيا، إذ يقصدها عدد كبير من الزوّار سنوياً منذ أن تم إنشائها عام 2002 على مساحة حوالي 1500000 متر مربع، حيث تضم العديد من الألعاب المثيرة المليئة بالمغامرات مثل قطار الموت، والعجلة الدوارة، فضلاً عن شخصيات ديزني المشهورة. وتشتهر العاصمة الإسبانية بحدائقها الغناء التي توفر فرصة للابتعاد عن صخب المدينة، ومنها حديقة “كاسا دي كامبو” وحديقة “أوروبا” وحديقة “أويستي” وحديقة “ريتيرو”، وهي جميعاً تحتوي على مساحات خضراء ممتدة وأشجار باسقة وبرك مائية على مد النظر. وفي حديقة “ريتيرو”، يمكن استئجار زورق على البحيرة أو زيارة قصر الكريستال، وهو عبارة عن هيكل زجاجي وحديدي يستضيف العديد من المعارض الفنية. ولن تكتمل الرحلة إلى مدريد من دون زيارة القصر الملكي الآسر. تجولوا في قاعاته الفخمة وحدائقه المشذبة بدقة وكونوا شاهداً على التاريخ الملكي الإسباني، إذ استعادت إسبانيا النظام الملكي منتصف السبعينات. والقصر أعجوبة معمارية بحق مع أكثر من 3000 غرفة، إذ يعد أحد أكبر القصور في أوروبا.
يمكن للزوار استكشاف قاعاته الفخمة المزينة بالمفروشات المزخرفة واللوحات الجدارية. ولاحتضان روح مدريد حقًا، انغمسوا في ملذات الطهي، إذ أن المطبخ الإسباني معروف بأنه من الأشهى في أوروبا برمتها.
ويعتبر “التاباس” من أشهر طقوس الأكل لدى الإسبان. و”التاباس” وجبات خفيفة أو مقبلات أو أطباق صغيرة يمكن أن تشمل أي شيء تقريباً، من قطعة من سمك التونة مروراً بزيت الزيتون المشوي وليس انتهاءاً بقطع النقانق الساخنة أو لحم البقر المطبوخ على هريس البطاطا الحلوة. كما تعتبر ساحة “بويرتا ديل سول” أحد رموز مدريد، وهي ساحة نابضة بالحياة وتضم العديد من المتاجر والمقاهي والمطاعم وفناني الشوارع، فضلاً عن المعالم المثيرة للاهتمام مثل لوحة “الكيلومتر صفر” وهي لوحة من الجرانيت والنحاس الأصفر تمثل نقطة البداية لستة طرق سريعة وطنية، بالإضافة إلى تمثال الدب وشجرة الفراولة، الرمز الرسمي للمدينة. أما لعشاق كرة القدم، فلا بديل لهم سوى زيارة ملعب “سانتياغو برنابيو”، معقل نادي ريال مدريد، والذي يقدم أيضاً فرصة للتجول فيه ورؤية نفق اللاعبين وغرفة الجوائز التي حصل عليها النادي العريق. وبعيداً عن الساحات والحدائق، باستطاعة الزائر قضاء وقت ممتع في شارغ “غران فيا” وهو شارع التسوق الرئيسي الذي يوفر لمحبي التسوق إمكانية ممارسة هوايتهم المفضلة، إذ يضم متاجر تناسب مختلف الميزانيات، وكذلك مسارح ومطاعم مختلفة. وتضم مدريد مجموعة واسعة من متاجر التسوق الضخمة التي تضم بين جنباتها مئات المحلات المتنوعة سواء تلك التي تحمل العلامات التجارية الفاخرة أو التي التي تعرف بأسعارها المتهاودة. ومن تلك المراكز “بريمارك” و”باركسور” و”لا غافيا” و”لاس روزاس فيلاج”
و”إل كورت إنغليس”، وكذلك “كاناليس” وهو أبرز وجهات التسوق في العاصمة الإسبانية. فوسط الشوارع النابضة بالحياة والكنوز الثقافية ومتع الترفيه، يقع هذا المركز التجاري الذي يضم كذلك فندق “فورسيزونز مدريد” الأيقوني الذي يتكون من سبعة مبانٍ تاريخية تمزج بسلاسة بين العمارة الإسبانية الكلاسيكية والرفاهية العصرية ويقدم تجربة استثنائية تجسد جوهر تراث مدريد الغني وروحها العالمية. ويقع قرب ساحتي “بويرتا ديل سول” و”بلازا مايو” وعلى بعد خطوات من القصر الملكي وشارع “غران فيا”، بما يتيح للزوار الانغماس في ثقافة المدينة النابضة بالحياة والفن وفن الطهي والحياة الليلية بكل سهولة.
وتبلغ إجمالي الغرف 161 و39 جناحاً و22 مسكناً خاصاً، ويضم مركز لياقة بدني ومرافق سبا توفر ملاذاً للاسترخاء وتقدم مجموعة حصرية من العلاجات، ومسبحاً داخلياً وغرف اجتماعات تتسع إلى 500 شخص بمساحة 1436 متر مربع، ومطاعم تناسب مختلف الأذواق ولعل أهمها “داني”، الذي يقدم المأكولات الأندلسية، والحائز على جائزة نجمة “ميشيلين” والمسمى على اسم الطاهي الإسباني داني غارسيا الذي طفقت شهرته الآفاق. لا عجب أن مدريد تستقبل نحو ستة ملايين سائح سنوياً، بفضل التنوع الفريد في مقوماتها السياحية من المتنزهات إلى المتاحف وأماكن الترفيه والمطاعم، بالإضافة إلى أضخم مراكز التسوق وأماكن السهر الصاخبة. والحال كذلك، فإنه تناسب مختلف الميول السياحية، فضلاً عن موقعها الجغرافي الذي يتوسط إسبانيا ويجعلها نقطة التقاء لزيارة مدن أخرى مثل برشلونة في الشمال وغرناطة في الجنوب.