قطاع الضيافة في السعودية: النمو المستدام والممارسات المسؤولة تقود المستقبل
يشهد قطاع الضيافة في المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً، مدفوعاً برؤية المملكة 2030 الطموحة والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية السياحية. ومع ازدياد عدد مشاريع تطوير الفنادق حيث تتنافس الشركات المحلية والعالمية للحصول على حصة من السوق المتنامية، لا ينصب التركيز فقط على النمو بل أيضاً على الاستدامة والممارسات المسؤولة في قطاع الضيافة.
قطاع الضيافة.. تطوير المشاريع العملاقة
من الصعب حصر عدد المشاريع الفندقية الجديدة قيد الإنشاء في جميع أنحاء المملكة، حيث تنطلق أعمال البناء في مشاريع جديدة كل يوم. ومن المتوقع أن يزداد عدد هذه المشاريع بشكل مطرد مع تنفيذ الحكومة لمبادرات تهدف لجذب المزيد من الزوار، مثل برنامج التأشيرة السياحية الجديد وتطوير المشاريع العملاقة مثل مدينة نيوم، والدرعية، ومشروع البحر الأحمر.
تعمل سلاسل الفنادق العالمية، بما في ذلك مجموعة ماريوت الدولية ومجموعة أكور، بنشاط على توسيع وجودها في المملكة. وفي هذا الصدد، أكد شادي الحوش، نائب الرئيس للتطوير في منطقة الشرق الأوسط لدى مجموعة ماريوت الدولية، على أهمية السوق السعودية قائلاً: “لدينا حالياً 38 فندقاً يعمل في المملكة العربية السعودية، وهناك 40 منشأة أخرى قيد التطوير. وهذا يعني أن نسبة ما هو موجود وما هو قادم تقريباً متساوية، مما يعطينا فكرة واضحة عن النمو الهائل المتوقع في السوق”.
لكن النمو ليس هو التركيز الوحيد لهذه الشركات العملاقة في قطاع الضيافة. فقد أصبحت الاستدامة والممارسات المسؤولة جزءاً لا يتجزأ من استراتيجياتها. وتقف مجموعة أكور، الرائدة عالمياً في مجال الضيافة، في طليعة هذا التحول، مؤكدةً على أهميته.
وشرحت أغنيس روكفورت، الرئيس التنفيذي العالمي لتطوير قطاعات الرفاهية ونمط الحياة في مجموعة أكور: “يساهم قطاع الضيافة بحوالي 7% من الانبعاثات العالمية للكربون، مما يجعل من الأهمية بمكان بالنسبة لنا أن نتحول لنكون جزءاً من الحل بدلاً من كوننا جزءاً من المشكلة. ويظهر هذا التركيز بشكل خاص في أوروبا، حيث تكون لوائح الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات صارمة، وحيث نرى فرصة لقيادة مبادرات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ليس فقط في أوروبا بل على الصعيد العالمي”.
تركز استراتيجية أكور، المسماة “الطبيعة والناس”، على تحقيق الحصول على الشهادات البيئية والعمليات المسؤولة. وأوضحت روكفورت طموحهم قائلة: “نهدف إلى أن تحصل 60% من فنادقنا على شهادة بيئية في السنوات الخمس القادمة، وتقليل بصمتنا البيئية من خلال توفير الطاقة وإعتماد المباني الخضراء، وتقليل هدر الطعام بنسبة 60%”. كما تخطط أكور لإشراك النزلاء في الممارسات المستدامة
من خلال الحوافز والتوعية.
وأضافت روكفورت: “نحن نفضل تشجيع السلوك الإيجابي بدلاً من معاقبة عدم الامتثال. من خلال الترويج لمبادراتنا البيئية والاجتماعية وإشراك الضيوف عبر برامج الولاء، نشجع الخيارات المسؤولة. بالإضافة إلى ذلك، نفكر في إنشاء أكاديميات للاستدامة والمسؤولية الاجتماعية داخل الفنادق لتثقيف وتدريب الضيوف بشكل أفضل”.
وبالمثل، تلتزم مجموعة ماريوت الدولية بالاستدامة. وكما أشار الحوش: “لقد التزمنا بهدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
وعندما يتم اتخاذ مثل هذا الالتزام على المستوى العالمي، فإنه ينتقل إلى جميع المناطق والفنادق. وهناك العديد من المبادرات التي يتم تنفيذها داخل شركتنا للوفاء بهذه
الالتزامات”.
إن نمو قطاع الضيافة في المملكة لا يقتصر على المدن الكبرى مثل الرياض وجدة فقط. فتركيز الحكومة على تطوير وجهات سياحية جديدة، مثل العلا ومشروع البحر الأحمر ونيوم، يخلق فرصاً لتطوير الفنادق في مناطق لم يتم اكتشافها من قبل.
وأشار الحوش: “نحن منخرطون في المشاريع العملاقة الكبيرة مثل الجميع. لدينا وجود في نيوم، وفي هيئة تطوير بوابة الدرعية، وفي العلا أيضاً. كما افتتحنا مؤخراً فندق سانت ريجيس في البحر الأحمر”.
وسلطت روكفورت الضوء أيضاً على الإمكانات الهائلة للسوق السعودية، قائلة: “يوفر مشهد الضيافة في المملكة العربية السعودية فرصاً واعدة، مع استثمارات وشراكات كبيرة تدفع عجلة النمو. وبصفتنا مشغلاً عالمياً، نقوم بتوسيع حضورنا بنشاط مع علامات تجارية بارزة مثل رافلز وسوفيتيل، مستفيدين من خبرتنا وسمعتنا القوية للاستفادة من هذا السوق المتنامي”.
وعند مقارنة ديناميكيات وعمليات سوق الضيافة بين أوروبا والشرق الأوسط، أشارت روكفورت: “غالباً ما ينطوي السوق الأوروبي على تحويل الممتلكات الحالية إلى فنادق، بينما يركز الشرق الأوسط في المقام الأول على البناء الجديد. علاوة على ذلك، تختلف اعتبارات التمويل والبنية التحتية بين المناطق، حيث تستفيد أوروبا من البنية التحتية القائمة، في حين يتطلب التطور السريع في الشرق الأوسط استثمارات ضخمة في البنية التحتية لدعم التوسع الفندقي”.
مع استمرار نمو قطاع الضيافة في المملكة العربية السعودية، ستلعب الاستدامة والممارسات المسؤولة دوراً محورياً في تشكيل مستقبله. وتقود سلاسل الفنادق العالمية مثل ماريوت وأكور الطريق في مبادرات الحوكمة البيئية والاجتماعية والممارسات الصديقة للبيئة، مما يضع معياراً قوياً للصناعة.
وأعرب الحوش عن ثقته في مبادرات الحكومة، قائلاً: “حتى الآن، تمنحنا جميع المبادرات التي وضعتها الحكومة السعودية ثقة كبيرة جداً في قدرتهم على تحقيق هذه البنود في رؤية 2030”. وتتشارك قادة الصناعة هذه الثقة، إدراكاً منهم للإمكانات الهائلة للسوق السعودية والتزامها بالنمو المستدام.
قطاع الضيافة في المملكة العربية السعودية ليس فقط على أهبة الاستعداد للتوسع الكبير، ولكنه أيضاً في رحلة تحول نحو الاستدامة. ومع تبني الصناعة للممارسات الصديقة للبيئة، وإشراك الضيوف في الخيارات المسؤولة، والاستثمار في تنمية المواهب المحلية، فإنها تمهد الطريق لحقبة جديدة من الضيافة تعطي الأولوية للنمو والإشراف البيئي على حد سواء.
بدعم ثابت من الحكومة، وخبرة اللاعبين العالميين في الضيافة، ورؤية مشتركة للتنمية المستدامة، يتمتع قطاع الضيافة في المملكة العربية السعودية بوضع جيد ليصبح رائداً عالمياً في الضيافة المسؤولة.
ومع انفتاح المملكة على المزيد من الزوار واستمرارها في الاستثمار في البنية التحتية للسياحة، سيلعب قطاع الضيافة دوراً محورياً في دفع النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وإبراز التزام المملكة العربية السعودية بالاستدامة على الساحة الدولية.
